لم تعد ميادين الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين مقتصرة على الساحات السياسية والعسكرية والثقافية، بل امتدت وبشكل بعيد عن الأنظار لميدان النباتات البرية التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتهويده وطمس جذوره التراثية، وعدم ربطه بالوجود العربي الفلسطيني في هذه الأرض. وأضحى النبات البري هدفا مبرمجا للإسرائيليين وبخاصة لمن يعملون في هذا المجال، في محاولة لإبعاده عن ميدان إثبات أحقية الأرض والإنسان وما في سطحها وباطنها للفلسطينيين أصحاب الحق الأصلي.
ويرى خبراء ومهتمون فلسطينيون أن هناك مخاطر جمة تتعرض له النباتات الفلسطينية تصل إلى حد الانقراض جراء الممارسات الإسرائيلية الممنهجة والتي شملت الأراضي والمزروعات والمياه.
ويشير "بنان الشيخ"- وهو من الخبراء القلائل في فلسطين المهتمين بالنباتات البرية - الى أن اختفاء وانقراض بعض النباتات البرية يعود إلى بناء المستوطنات على مساحات واسعة من الأرضي الفلسطينية وبخاصة في الضفة الغربية والطرق الالتفافية والجدار الفاصل، وطرح ملوثات المستوطنات والإغلاق العسكري للمناطق وتجفيف الينابيع نتيجة الضغط الجائر على المياه.
ويضيف الشيخ أن أراضي الضفة الغربية تحتضن 1600 نوع نبات بري بينها 400 نوع نادر بعضها موجود بموقعين أو ثلاثة فقط في فلسطين، فيما تتعرض بعض النباتات البرية للانقراض. وأشار ايضا إلى أن هناك نبات يعرف ب "السوسن" موجود في منطقة فقوعة قرب جنين وآخر في بلدة ياصيد قرب نابلس معرض للانقراض كما أن هناك مخاطر على انقراض نوع نادر معروف باسم "ذيل الفرس" في منطقة وادي قانا بين نابلس وقلقيلة جراء اختلاف ملوحة المياه بسبب الاستنزاف الإسرائيلي الكبير للماه في تلك المنطقة.
تهويد الأسماء
ولا تقف حرب الدولة العبرية ضد النباتات البرية عند حد تعريضها للانقراض، بل تمتد إلى حد تهويد أسمائها وإلصاق الاسم العبري عليها. ويقول الخبير الشيخ أن خبراء النباتات في إسرائيل وجزء كبير منهم يقطن بمستوطنات الضفة الغربية، يسعى لتسمية النباتات بأسماء إسرائيلية أو أسماء من التوراة، فالنبات الموجود بجنوب الضفة يضاف إليه اسم "يهودا"، والموجود بشمال الضفة "السامرة"، أما الموجود في داخل فلسطين المحتلة عام 48 فيضاف إليه كلمة "إسرائيل"، ضاربا مثال على ذلك ما يطلق على نبات "اللوف" حيث يقال " لوف إسرائيل" الموجود في تل أبيب.
التقصير والمواجهة
ويقر المهتمون والخبراء الفلسطينيون في هذا المجال بضعف الاهتمام الرسمي والأهلي في مواجهة ما تتعرض له النباتات البرية الفلسطينية في ظل غياب سياسة منظمة للدفاع عن المخزون النباتي النادر، وترجمة فوائدها على مختلف الصعد. ويشدد الشيخ على أن هناك حاجة لاهتمام الجامعات والمراكز الأكاديمية بتوفير قاعدة بيانات حول النباتات البرية وإقامة متحف نباتي جاف، وتطوير الأبحاث في هذا المجال. وينوه إلى انه لا يوجد كتاب باللغة العربية يشمل اسماء النباتات وأصولها بعكس ما هو متوفر باللغة العبرية.
تخريب البيئة الملائمة
ولا يرى جمال صبرة، مدير المركز الفلسطيني للتنمية البيئية والمحاضر بجامعة القدس المفتوحة، غرابة في انقراض العديد من النباتات البرية جراء الممارسات الإسرائيلية، منوها إلى أن التأثيرات البيئية للاستيطان تركت أثارا سلبية كبيرة على النباتات والمزروعات بشكل عام.
ويشير إلى ان إغلاق المدن الفلسطينية ادى الى تحديد مناطق الرعي كما هو حاصل في قرى شرق نابلس والأغوار، مما أدى إلى الرعي الجائر الذي التهم كل شيء اخضر إلى جانب تأثير مخلفات المناطق الصناعية التابعة للمستوطنات وبخاصة مياهها العادمة وملوثات الهواء على النباتات. وأورد صبرة شكلا آخر من الممارسات الاسرئيلية في مجال النباتات البرية وهو إطلاق الخنازير في محيط المستوطنات والتي تلتهم تلك النباتات، كما يؤدي الإغلاق ورفع نسب البطالة إلى توجه العاطلين عن العمل لقطع أشجار البلوط والاتجار بها حيث تستخدم لإنتاج التحف الخشبية في مدن جنوب الضفة كبيت لمح وبيت جالا.
جهود رسمية
ويقول المهندس ثائر الرابي، مدير المحميات الطبيعية في وزارة الزراعة الفلسطينية، أن هناك خطر حقيقي يهدد النباتات في فلسطين سوء كانت برية أو غيرها والتي تقدر بنحو 2700 صنف نباتي منوها إلى أن فلسطين تعتبر من أهم المناطق الطبيعية في العالم التي تحتضن التنوع النباتي والحيواني. وقال أن هناك نحو 300-400 نوع انقرضت فيما التهديد يلاحق 100 نوع آخر بالانقراض.وأشار الرابي إلى أن اسباب عديدة تؤدي لذلك منها وجود المستوطنات ومعسكرات الجيش الإسرائيلي في مناطق حرجية مما يهدد الوجود النباتي والحيواني فيها والدخول إلى مناطق كانت توفر الجو الطبيعي لنمو النباتات بعيدا عن الوجود البشري. وقال أن وزارة الزراعة قامت بعمل اثر من منطقة متنزه ومحمية مثل الحديقة النباتية في أريحا ورام الله رغم وجود مشاكل عدة تواجه المحميات الطبيعية التي تقدر مساحتها ب 600 الف دونم.
ويرى المواطن نواف ابراهيم، من قرية كفر قليل والذي لديه اهتمام كبير بالنباتات البرية أن هناك خوف كبير على وجود النباتات البرية لأن أعمال التجريف الإستيطاني هي عمليات تخريب بحد ذاتها للبيئة الفلسطينية، حيث ان هناك أصناف وأنواع من النباتات غير موجودة على مستوى العالم سوى في فلسطين ونباتات منقرضة بقي بعض نباتاها فقط في فلسطين وفي أماكم محدودة، وعندما تجري عمليات التجريف وإبتلاع الأراضي يتم القضاء على بعضها في مناطق مرتفعة ، وهذه المناطق مستهدفة إستيطانيا وإستخدامها كنقاط عسكرية للجيش الاسرائيلي.
وطرح مثالا على ذلك، نوع نادر من السرخسيات غير موجود على مستوى العالم سوى في جبل جرزيم في منطقة باب الهوى من أراضي كفر قليل جنوب نابلس، حيث أقيم عليها نقطة عسكرية خطيرة سميت بتل الموتوهو، كما انه تتم في كثير من الأحيان سرقة النباتات وتهجينها وتسويقها على أنها من أرض إسرائيل ويجري التعامل معها بشكل تجاري كما هو الحال مع التراثيات الفلسطينية كاللباس المطرز والفلافل والمقلوبة وامسخن وتسوق عالميا على أنها جزء من التراث اليهودي في فلسطين زورا وبهتانا.
الثلاثاء مارس 10, 2009 3:06 am
